الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.ولاية طاهر على خراسان ووفاته. كان المأمون بعد وصوله إلى العراق قد ولى طاهر بن الحسين الجزيرة والشرطة بجانبي بغداد والسواد ودخل عليه يوما في خلوته فأذن له بالجلوس وبكى ففداه فقال المأمون أبكي لأمر ذكره ذل وستره حزن ولن يخلو أحد من شجن وقضى طاهر حديثه وانصرف وكان حسين الخادم فدس إليه على يد كاتبه محمد بن هرون أن يسأل المأمون عن مكاتبته على ألف درهم ومثلها للكاتب وخلا حسين بالمأمون وسأله ففطن وقال له: إن الثناء مني ليس برخيص والمعروف عندي ليس بضائع فعيبي عن غير المأمون فأجابه وركب إلى المأمون وفاوضه في أمر خراسان وأنه يخشى عليها من الترك وأن غسان بن عباد ليس بكفء لها فقال: لقد فكرت في ذلك فمن ترى يصلح لها؟ قال: طاهر بن الحسين قال: هو خالع قال: أنا ضامنه فاستدعاه وعقد له من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق من حلوان إلى خراسان وعسكر من يومه خارج بغداد وأقام شهرا تحمل إليه كل يوم عشرة آلاف ألف درهم عادة صاحب خراسان وولى المأمون مكانه بالجزيرة ابنه عبد الله وكان ينوب عن أبيه بالشرطة فحملها إلى ابن عمه إسحق بن إبراهيم بن مصعب وخرج إلى عمله ونزل الرقة لقتال نصر بن شيث ثم سار طاهر إلى خراسان آخر ذي القعدة سنة خمس ومائتين وقيل في سبب ولاية طاهر خراسان أن عبد الرحمن المطوع جمع جموعا كثيرة بنيسابور لقتال الحرورية ولم يستأذن غسان بن عباد وهو الوالي على خراسان فخشي أن يكون ذلك من المأمون فاضطرب وتعصب له الحسن بن سهل وخشي المأمون على خراسان فولى طاهرا وسار إلى خراسان فأقام بها إلى سنة سبع ثم اعتزم على الخلاف وخطب يوما فأمسك عن الدعاء للمأمون ودعا بصلاح الأمة وكتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون بخلعه فدعا بأحمد بن أبي خالد فقال: أنت ضمنته! فسر وائتني به ثم جاء من الغد الخبر بموته فقال المأمون للبريد ونعم الحمدلله الذي قدمه وأخرنا وولى طلحة من قبله وبعث إليه المأمون أحمد بن أبي خالد ليقوم بأمره فعبر أحمد إلى ما وراء النهر وافتتح أشر وسنة وأسر كاووس بن خالد حدد وابنه الفضل وبعث بهما إلى المأمون ووهب طلحة لأحمد بن أبي خالد ثلاثة آلاف ألف درهم وعروضا بألف ولمكاتبته خمسمائة ألف درهم ثم خالف الحسين بن الحسين بن مصعب بكرمان فسار إليه أحمد بن أبي خالد وأتى به إلى المأمون فعفا عنه..ولاية عبد الله بن طاهر الرقة ومصر ومحاربته نصر بن شيث. وفي سنة ست ومائتين بلغ الخبر بوفاة يحيى بن معاذ عامل الجزيرة وأنه استحلف ابنه أحمد فولى المأمون عبد الله بن طاهر مكانه وجعل له ما بين الرقة ومصر فأمره بحرب نصر بن شيث وقيل ولاه سنة خمس وقيل سنة سبع واستحلف على الشرطة ببغداد إسحق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب وهو ابن عمه وكتب إليه أبو طاهر كتابا بالوصية جمع فيه محاسن الآداب والسياسة ومكارم الأخلاق وقد ذكرناه في مقدمة كتابنا فسار عبد الله بن طاهر لذلك وبعث الجيوش لحصار نصر ابن شيث بكيسوم في نواحي جانب ثم سار إليه بنفسه سنة تسع ومائتين وأخذ بمخنقه فتوقف المأمون محمد بن جعفر العامري يدعوه إلى الطاعة فأجاب على شرط أن لا يحضر عنده فتوقف المأمون وقال: ما باله ينفر مني؟ فقال أبو جعفر: لما تقدم من ذنبه فقال: أفتراه أعظم ذنبا من الفضل بن الربيع وقد أخذ جميع ما أوصى له به الرشيد من الأموال والسلاح وذهب مع القواد إلى أخي وأسلمني وأفسد علي حتى كان ما كان ومن عيسى بن أبي خالد وقد خالف علي ببلدي وأخرب داري بايع لإبراهيم دوني فقال اين جعفر: يا أمير المؤمنين هؤلاء لهم سوابق ودالة يبقون بها ونصر ليست له في دولتكم سابقة وإنما كان من جند بني أمية وأنا لا أجيب إلى هذا الشرط ولح نصر في الخلاف حتى جهده الحصار واستأمن فأمنه عبد الله بن طاهر وخرج إليه سنة عشرة وبعث به إلى المأمون وأخرب حصن كيسوم لخمس سنين من حصاره ورجع عبد الله بن طاهر إلى الرقة ثم قدم بغداد سنة احدى عشرة فتلقاه العباس بن المأمون والمعتصم وسائر الناس.
|